«إيه اللي خلاني أعمل كده؟!»
خطأ تقني ما بداخلي يجعلني أفكر بعد أن أتصرف.
كان الميدان خالياً في هذة الليلة الشتوية إلا مني وبائع الصحف،طلبت من البائع ثلاث صحف يومية وأعطيته ورقة بمائة جنيه، مد البائع يده بالباقي وفي اللحظة نفسها وجدتني أقول له «لأ خلاص..دول علشانك».
«إيه اللي خلاني أعمل كده؟!»
لم يثر في البائع مثلاً شعوراً بالشفقة ولست علي هذة الدرجة من الثراء ولم أرتكب خلال الأيام الماضية ذنباً لأكفر عنه بصدقة كبيرة...
رأيت أسئلة مماثلة في نظرة البائع. .هل هو رجل طيب؟ هل هو رجل مسطول؟ هل هو ملاك في صورة آدمي؟..
فشل كلانا في الإجابة عن الأسئلة.. لكن البائع وجد تفسيراً مقنعاً ومريحاً لكلينا عندما ابتسم بخجل قائلاً «كل سنة وحضرتك طيب».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفت الكناريا لأول مرة ع الشباك
الألوان بتكون في حالتها الأجمل لما تفاجئك
فرحت بيه
وباب القفص سبته مفتوح
وكل مايجي كان بيروح
واما نويت
قفلت الباب
قفلته وهو مش موجود
زعل الكناريا لأني سبته ماحبستوش
مافهمتوش
وطار في طريق السما زعلان
زعلت كمان
وكنت باتابعه من الشباك
وبالتدريج.. كانت بتبهت الألوان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت طفلته تفترش الأرض وحولها الأوراق والألوان، قبلها ثم جلس إلي جوارها وسألها: ماذا ترسمين؟! فقالت إنها ترسم «عريس وعروس» يجلسان في الكوشة، سألها عن أسمائهم؟! فقالت «ماما وبابا» واندهشت لأنه لم يعرفهما، تأمل الرسم مجدداً وتفحص خطوطها المرتعشة بكل ما فيها من سذاجة ثم قال لها: جميل ولكن لماذا لا تبدو علي وجهيهما الفرحة؟ أخذت الطفلة الورقة وتأملتهما مجدداً وغابت ثم رجعت قائلة «أنا خليتهم فرحانين»، تأمل التعديل الذي حدث فوجد طفلته رسمت العريس والعروس وقد أمسك كل منهما بخيط طويل في نهايته بالونة ملونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت باب الشقة خارجاً، فوجدت علي الأرض كعب إيصال الكهرباء، كان باسم جاري الذي باع شقته منذ سنوات قليلة لسمسار في المنطقة كان يؤجرها كقاعة احتفالات صغيرة لأبناء المنطقة أو لبعض الأسر الخليجية، أصبحت هذة الشقة مصدرًا للإزعاج بعد أن كانت مصدرًا للطمأنينة بوجود جار يراعي مشاعر مَنْ هم حوله ولايتردد في مساعدتهم إذا لزم الأمر بصفته لواء جيش سابق. يوم أن رحل جاري عن شقته كان يوما كئيباً، عدت فوجدته يجمع أشياءه ويودع الجيران بهدوئه المعتاد، تمني له الجميع حياة جميلة في مكان آخر وإن أبدوا حزنهم علي رحيل جار يندر وجوده هذه الايام، في الليلة نفسها وبعد رحيله بساعات شبَّ في العمارة حريق هائل وكأن الجدران أبت ألا تشاركنا حزننا.
تأملت وصل الكهرباء واندهشت لأن السمسار لم ينقل ملكية الشقة باسمه، فسرت الأمر بتخوف السمسار من مساءلة حكومية ما خاصة وأنه شخص مريب بدرجة كبيرة.
فرحت بالوصل الذي يحمل اسم شخص أحبه ويذكرني به في بداية اليوم، اكتشفت أنني لم أهاتف هذا الرجل منذ رحل، بل اكتشفت انني لم أفكر يوماً في الاحتفاظ برقم هاتفه لكونه متاحاً أمامي طوال الوقت.سار اليوم علي أكمل وجه، أنجزت مشاوير مؤجلة وتناولت الغذاء مع أشخاص أحبهم وتوجهت لزيارة قريب هاتفني معلناً افتقاده لي، كانت مشاعرنا متبادلة فذهبت إليه وشاهدنا مباراة المنتخب في بيته، حكيت له القصة فقال لي: إنها علامة، وافقت علي ما قاله وإن فشلت في تحديد ما تشير إليه.عند باب عمارته التقيت جاري القديم يخرج من صيدلية، صعقتني المفاجأة وتوجهت ناحيته وأنا كلي افتقاد له وكلي إيمان بأن العلامة علي وشك أن تُفسر، كان سلام جاري بارداً للغاية، أرخت المفاجأة أحبالي الصوتية فخرجت مني همهمة مرتبكة قطعتها امرأة غريبة اقتربت من جاري وسحبته من ذراعه لينصرفا بعد استئذان مقتضب مرفق به نصف ابتسامة.عدت إلي بيتي شبه مهزوم، في الأسانسير التقيت السمسار، أعطيته كعب الوصل فشكرني بحرارة، وقفت أنظر إلي نفسي في المرآة، رأيت السمسار ينظر ناحيتي في المرآة ويسألني بثقة «حضرتك مابتفكرش تبيع شقتك؟!».