أسطورةٌ أرعبت جيش الاحتلال الذي يدعي أنه لا يُقهر...
فنانٌ عزف أنغام النصر وزيَّنها بصوت تفجيرات تهز أركان الاحتلال...
ماردٌ انطلق من بين آلام المظلومين وحمل روحه على كفه...
يحيى عياش، هو باع والله اشترى؛ باع نفسه رخيصة في سبيل الله، ومن أجل رفع الظلم عن أبناء شعبه، فأعطاه الله ما تمنى: الشهادة في سبيل الله.
أدرك أن سلعة الله غالية، وأن الطريق إليها على أشلاء بني صهيون فمضى إليها دون تردد أو خوف أو وجل.
ولد الشهيد المهندس يحيى عياش في قرية رافات، بين نابلس وقلقيلية عام 1966، وأنعم الله عليه بذكاءٍ حادٍ منذ صغره... فتفوَّق في دراسته وحفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره... قليل الكلام، دائم الصمت، قلبه معلقٌ بالمساجد يتعلم فيها حب الله وحب الوطن. وكان أهل قريته يلجؤون إليه في حل المشاكل لما وجدوا فيه من رجاحة العقل وقوة المنطق.
بعد تفوقه في المرحلة الثانوية، التحق الشهيد بجامعة بيرزيت لدراسة الهندسة الكهربائية، لكن حب الجهاد الذي تربى عليه في جماعة الإخوان المسلمين، ملأ عليه فؤاده وقاد المهندس إلى مطالعة الكيمياء عن بعد، فكانت فاتحة العمل العسكري في قلبه.
تخرج المهندس من الجامعة بامتياز، وحاول بعدها السفر لإكمال تعليمه، إلا أن الاحتلال منعه، فمهد له بذلك الطريق ليقض مضاجعهم، وليعضوا بعدها أصابع الندم على عدم السماح له بالسفر.
التحق الشهيد بكتائب عز الدين القسام، ورافق المعتقل زاهر جبَّارين، وكان تلميذه النجيب، يتعلم منه تصنيع القنابل، ثم يطَّور فيها لتكون أكثر فاعلية وقوة بتوفيق الله ثم بكل ما تعلمه من دراسته ومطالعته ومن معلمه أيضاً. ابتكر نوعاً خاصاً من الأسلحة، إنها القنابل البشرية "الاستشهاديين"، فانتشر الرعب بين الصهاينة في كل مكان. وتحطمت أسطورة الجيش الذي يدعي أنه لا يُقهر مع أول ضربة وجهها له المهندس، حين وقف خبراؤه عاجزين عن تفكيك العبوة التي زرعت في سيارة في مغتصبة "رمات أفعال"، واكتفوا بالنظر إليها بإعجاب وهي تنفجر، لتضع في عقولهم لغزاً محيراً حول العقل الذي صنع هذه العبوة.
وأصبح المهندس بعد سلسلة عمليات مزلزلة في العفولة والخضيرة، وفي غزة، وفي ديزنغوف وفي كل منطقة تصل إليها يد المهندس وتلاميذه، يزرعون الموت لليهود، ويسقونهم من نفس كأس الأسى واللَّوعة الذي أذاقوا منه الأمة. أصبح المهندس "المطارد رقم (1)"، واللغز الذي يحاول الاحتلال فكَّه بأي وسيلة كانت.
ثم توالت ضربات المهندس، يتنقل في أرجاء فلسطين من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، يجهِّز الاستشهاديين، ويعدُّ المهندسين من بعده. وابتكر التنكر عن عيون بني صهيون، مرةًً في زي امرأة، وأخرى تجده في زي يهودي متدين يعبر حاجز إيرز إلى غزة، ولا يملك جنود الاحتلال إلا إلقاء التحية له وهو عدوهم الأول.
ويصادق رئيس وزراء الاحتلال بنفسه على قرار تصفية صقر الكتائب، وتبدأ المعركة الحاسمة بين المهندس وبني صهيون. الشهادة هو ينتظرها دائماً، ويسعى لها بكل جهد، ولكن... المهم أن يثخن بهم الجراح قبل أن تصله أيديهم.
وبينما كانت القلوب المؤمنة بالله تذيق المحتل لوعة الألم، كانت خفافيش الليل ترصد سير المهندس، وتبعث بها إلى الصهاينة، طمعاً في اجر بخس باعوا أنفسهم من أجله.
وتأتي ليلة 6 / 1 / 1996 بخبرٍ كان أشبه بالكابوس... جاء الخبر الصاعق، وصلت أيدي الحقد إلى ما كانت تسعى إليه من سنين، وصلت إلى مبتغاها وقتلت المهندس... غمامة سوداء أمطرت الحزن على كل فلسطين، بكت النساء والرجال والأطفال، حتى الطيور والحجارة بكت المهندس...
غاب البطل، وانتهت مطاردتهم له... لكنه ما زال في ذاكرة أعدائه قبل ذاكرة أحبابه. يتذكرون كيف كان يقتلهم في كل لحظة، كيف كانوا عاجزين عن الوصول إليه! وحسبوا أنهم بقتله تحقق لهم الأمن والأمان على ثرى فلسطين المبارك... لكن الأيام أثبتت لهم أن طريق عيَّاش التي رسمها بدمه، يسير فيها الآلاف يرددون خلف أستاذهم المهندس: إنه لجهاد نصر أو استشهاد
بسم الله الرحمن الرحيم>ولا تحسبن الذين قتلو في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون<
صدق الله العظيم[/align]